
اتسعت موجة البيع في الأسواق العالمية اليوم، بعد تصاعد المخاوف حيال سلامة النظام المصرفي الأميركي، ما دفع المستثمرين إلى تقليص تعرضهم للأصول عالية المخاطر واللجوء إلى الملاذات الآمنة.
تراجعت العقود الآجلة لمؤشر "إس آند بي 500" بنسبة 1.2%، متجهة نحو ثاني جلسة خسائر متتالية، بعدما أعلن بنكان إقليميان في الولايات المتحدة عن تعرضهما لعمليات احتيال مرتبطة بقروض موجهة إلى صناديق عقارية متعثرة.
أثر عالمي.. البنوك تقود الخسائر
تكررت موجة التراجعات في الأسواق الأوروبية والآسيوية اليوم، حيث هبط مؤشر البنوك الأوروبية بنسبة 2.9%، ليتصدر قائمة القطاعات الأسوأ أداءً ضمن المؤشر العام. وسجل سهم دويتشه بنك الألماني هبوطاً حاداً تجاوز 6%.وامتد القلق إلى سوق الائتمان، حيث قفز مؤشر مبادلات مخاطر الائتمان (CDS) (الذي يعد نوعاً من التأمين ضد مخاطر التخلف عن السداد) على الديون الممتازة للبنوك الأوروبية بمقدار 3.2 نقطة أساس، في أكبر ارتفاع خلال نحو شهر. كما صعد المؤشر الذي يقيس مخاطر الديون الثانوية للبنوك بأعلى وتيرة أسبوعية له.
الملاذات تتألق
في المقابل، ارتفعت السندات السيادية وعملات الملاذ الآمن مثل الين الياباني والفرنك السويسري، مع تسارع عمليات الشراء بحثاً عن الأمان وسط تقلبات الأسواق، في وقت لا تزال فيه تقييمات الأسهم قرب أعلى مستوياتها التاريخية.وقال محللون إن التطورات الأخيرة تعيد إلى الأذهان حساسية النظام المالي تجاه صدمات مفاجئة، خاصة تلك المتعلقة بالقروض العقارية ومخاطر الائتمان.
وواصلت سندات الخزانة الأميركية مكاسبها لليوم الثاني على التوالي، حيث تراجع عائد السندات لأجل 10 سنوات بمقدار نقطتي أساس ليصل إلى 3.96%. في المقابل، شهد الذهب تقلبات طفيفة، بينما تصدّر الين الياباني والفرنك السويسري قائمة العملات التي حققت مكاسب أمام الدولار.
مؤشرات على قلق متزايد
تُبرز هذه التحركات تنامي القلق بشأن سوق الائتمان الأميركية، وهي أوضح إشارة حتى الآن على التوتر الكامن الذي يسري في أروقة "وول ستريت". وتضاف هذه المخاوف إلى قائمة متزايدة من هواجس المستثمرين، تشمل الإغلاق الحكومي في الولايات المتحدة، ومخاوف من فقاعة ذكاء اصطناعي، وتجدد التوترات التجارية بين واشنطن وبكين.قال رافاييل توين، رئيس استراتيجيات أسواق رأس المال في شركة "تيكي هاو كابيتال" (Tikehau Capital): "يبدو هذا المشهد كأعراض نهاية دورة اقتصادية، حيث نرى مؤشرات على التراخي في معايير الإقراض. ومع موجة الصعود القوية هذا العام وارتفاع التقييمات، تزداد إغراءات جني الأرباح وتأمين المكاسب المحققة منذ بداية العام".
ومع اتساع تداعيات انهيار شركة "فيرست براندز" (First Brands) المتخصصة في مكونات السيارات داخل قطاع الإقراض، تأثرصندوق "إس بي دي آر" المتداول في البورصة، الذي يتبع مؤشر "إس آند بي" الذي يضم أسهم البنوك الإقليمية الأميركية المتوسطة والصغيرة بالسلب، حيث ارتفعت الرهانات ضده إلى نحو 30% من الأسهم القائمة، مقارنة بـ18% في الثامن من أكتوبر الماضي، وفقاًً لبيانات جمعتها مؤسسة "إس آند بي غلوبال ماركت إنتليجنس" (S&P Global Market Intelligence).
من بين أبرز السندات البنكية المقومة باليورو المتراجعة يوم الجمعة أيضاً، انخفضت السندات المقومة باليورو لبنك "جيه بي مورغان" والمستحقة في يناير 2036 بنحو 0.5%، وهو أكبر تراجع منذ مطلع سبتمبر، كما تراجعت سندات بنك "باركليز" المستحقة في 2035 بأكبر وتيرة منذ نحو ثلاثة أسابيع.
"تراجعات مبالغ فيها"
لكن بعض المحللين خففوا من حدة المخاوف، معتبرين أن تراجعات الجمعة مبالغ فيها، ولا تمثل مؤشراً على خطر نظامي، واصفين المقارنات بينها وبين بداية الأزمة المالية بأنها "غير واقعية".قال جيروم لوغرا، رئيس قسم الأبحاث في شركة "أكسيوم ألترنتيفز إنفستمنتس" (Axiom Alternatives Investments): "الهبوط في أسهم البنوك الأوروبية اليوم ليس سوى رد فعل انفعالي سريع، فهناك حالياً أسباب كثيرة للبيع بدلاً من ذلك، ومنها تراجع أسعار الفائدة والمخاطر السياسية إلى المكاسب الكبيرة التي حققتها هذه البنوك خلال العام".
واختتم: "كنت موجوداً في عام 2007، ويمكنني القول إن ما يحدث الآن لا يشبه إطلاقاَ الفترة السابقة للأزمة المالية العالمية".