إفتح حسابك مع شركة XM  برعاية عرب اف اكس
إفتح حسابك مع تيكيمل

اليورو تحت الضغط المالي

طارق جبور

المدير العام
طاقم الإدارة
المشاركات
82,629
الإقامة
قطر-الأردن

xm    xm

 

 

اليورو تحت الضغط المالي

large_96125_32715.jpg



د.محمد إبراهيم السقا

بدأت العلامات الأولى للأزمة في صورة تراجع واضح للمؤشرات العامة للبورصات العالمية، بصفة خاصة البورصات الأوروبية، وأخذ معدل صرف اليورو في التراجع بصورة حادة بالنسبة إلى الدولار ليبلغ أدنى مستوى له منذ شهور. ومثلما حدث مع دبي، أخذت تكلفة التأمين ضد مخاطر التوقف عن السداد لديون الدول الأعضاء في اليورو في التصاعد بصورة كبيرة، بصفة خاصة بالنسبة إلى ديون اليونان، المعرضة، وفقا لمعظم الآراء، لمخاطر الإفلاس والتوقف رسميا عن سداد ديونها السيادية، حيث ارتفعت تكلفة التأمين على السندات الأوروبية جميعها، وبصفة خاصة بلغت 429 ألف دولار سنويا لكل عشرة ملايين دولار من الدين اليوناني، والقائمة تتصاعد. صندوق النقد الدولي أعلن أنه يقف على أهبة الاستعداد لتقديم الدعم اللازم للحفاظ على استمرار استقرار النمو في الاقتصاد العالمي، إلا أن أيا من تلك الدول, خصوصا اليونان, لم تتقدم حتى الآن لطلب المساعدة، لأن المساعدة التي سيقدمها صندوق النقد الدولي لن تكون دون مقابل, إذ لا بد من أن تدخل تلك الدول في تجربة قاسية من برامج التكيف المالي التي ربما تؤثر في قدرتها على الاستمرار كأعضاء في اليورو. لكن إذا أرادت الدول المضطربة ماليا عدم اللجوء إلى الصندوق، فلا بد من أن يكون لدى الاتحاد الأوروبي مؤسسة مثيلة على النمط نفسه لتتمكن تلك الدول من تجنب اللجوء إلى صندوق النقد الدولي.

منذ البوادر الأولى للأزمة كانت الأخبار تأتينا بأن الاتحاد الأوروبي لن يقدم المساعدات لليونان للخروج من عثرتها، وأن على اليونان اتخاذ الإجراءات اللازمة لضبط إيقاع أدائها المالي. حيث يفترض، حسب النظام الأساسي للاتحاد النقدي، أن البنك المركزي الأوروبي أو البنوك المركزية المحلية لا تستطيع تقديم حزم إنقاذ لأي دولة عضو، كما لا يمكن إجبار الدول الأخرى على أن تتحمل أعباء ديون الدول الأعضاء. لكن مما لا شك فيه أن الحكومات المركزية تستطيع القيام بذلك بمفردها، أو أن تتطوع لمساعدة الدول الأخرى، ومع اشتداد حدة الأزمة بدأت تظهر على السطح مخاطر هذا الخيار, حيث أصبح من الواضح أنه لا يمكن ترك اليونان بمفردها تواجه مشكلة ديونها الحادة دون أي تدخل أوروبي، لأن إعلان عدم التدخل معناه التخلي عن التضامن المفترض بين دول الاتحاد للحفاظ على قيمة اليورو من التدهور، وهو ما فطنت إليه الدول الأعضاء في اليورو أخيرا، خصوصا أن انضمام دول أخرى إلى اليونان لا يمكن أن يقلل من التأثير المدوي الذي سيترتب على تعثرها في الاتحاد الأوروبي وعلى اليورو.

لقد أعلنت ألمانيا أنها تعد خطة مع شركائها الأوروبيين بصفة خاصة فرنسا بتقديم ضمانات على ديون اليونان وكذلك باقي الدول الأعضاء في اليورو كي تهدئ من المخاوف التي تنتشر عن مخاطر تعرض الدول المضطربة ماليا للتوقف عن السداد. لكن يبدو أن خطة الإنقاذ لن تكون مالية بالدرجة الأولى حيث لا يتوقع أن يتم تمرير مثل هذه الخطط بهذه السهولة، فمن المؤكد أنها ستجد معارضة من قبل دافعي الضرائب في الدول الأخرى في أوروبا، حيث سيتم استخدام أموالهم في إنقاذ دولة أخرى لا يستفيدون منها بأي خدمة. وفي رأيي أنه ربما لا يوجد بديل آخر متاح حاليا لإنقاذ الدول المضطربة ماليا من تقديم الدعم المالي المباشر لكبح مخاطر انتشار أزمة ديون سيادية. وعلى الرغم من عدم تقديم أي التزام مالي محدد حتى الآن إلا أن الاتحاد الأوروبي ـ في رأيي ـ لن يقف مكتوف الأيدي عن مساعدة اليونان في حال اندلعت الأزمة، حيث يمكن للاتحاد احتواء مخاطر أزمة مثل أزمة اليونان بسهولة نظرا لصغر حجمها بالنسبة إلى الاتحاد (3 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في الاتحاد)، أما إذا تطورت الأمور وانفجرت الأزمة فإن التعامل مع المشكلات الكامنة للدول الأخرى في القائمة مثل إسبانيا سيكون مستحيلا. على أي حال الوضع ما زال حرجا لأن عملية الإنقاذ المقترحة حتى الآن هي في صورة تقديم ضمانات للدين بدلا من تقديم مساعدات مالية مباشرة أو قروض مالية، الأمر الذي يجعل من الصعب حساب تكلفة عملية الإنقاذ، فقد تكون عملية الإنقاذ ناجحة ومن ثم لا يتم استخدام إلا قدر بسيط من الضمانات المقدمة للدولة مثلما حدث في أثناء أزمة المكسيك في منتصف التسعينيات, حيث لم يتم استخدام سوى قدر بسيط من حزمة الدعم المقدمة من الولايات المتحدة البالغة 50 مليار دولار، وربما تسير الأمور على نحو سيئ بحيث تكون تكلفة عملية الإنقاذ ضخمة، خصوصا إذا خرجت الأمور عن السيطرة ولم تستطع تلك الدول الوفاء بالتزاماتها.

مع الأسف الاقتصاد العالمي ليس مستعدا حاليا كي يواجه تبعات النكسة المحتملة لجهود استعادة النشاط الاقتصادي إذا أعلنت أي من الدول الأوروبية الأعضاء في اليورو التي تواجه ضغوطا مالية عجزها عن سداد الديون المستحقة في مواعيدها. ونتيجة لذلك أخذت الثقة تتصاعد بالدولار، على الرغم من الضجة التي أثيرت حول مدى اعتماديته كعملة احتياط للعالم على الأجل الطويل، إلى الحد الذي وصف فيه الدولار بأنه عملة رديئة يجب الابتعاد عنها، بل قد بلغ الأمر بالصين إلى أنها حثت العالم إلى السعي نحو إيجاد بديل لعملة عدوها اللدود. ونتيجة لهذا الاعتقاد أخذ بعض البنوك المركزية في البدء في عملية تنويع واسع النطاق لاحتياطياتها التي تتركز أساسا في الدولار، وذلك من خلال الاحتفاظ بمزيد من اليورو, الذي كان سيد الموقف في ظل تراجع الثقة بالدولار نتيجة الأزمة المالية الحادة التي تعرض لها الاقتصاد الأمريكي.

اليوم بدأ اليورو يواجه ضغوطا كبيرة، بعد أن كان العملة العالمية الأولى التي تحظى بمزيد من الثقة من جميع المستثمرين في العالم بسبب المزايا التي تجمعت له خلال العقد الأول من إطلاقه، واليوم يثبت أيضا أن مزايا اليورو لم تكن بالكامل مزايا ذاتية، ذلك أن جانبا كبيرا من تلك المزايا كان راجعا لضعف الدولار، عملة العالم الأولى. يقف اليورو اليوم على حافة التراجع بمعدلات حادة، والنتيجة الحتمية لذلك هي تعرض الاحتياطيات النقدية الضخمة لهذه البنوك المركزية للخسارة. محافظو هذه البنوك يعضون أصابع الندم اليوم بسبب شكوكهم حول مستقبل الدولار كعملة احتياط العالم الأساسية، ومع الأسف أصبحت الخيارات المتاحة أمام هذه البنوك المركزية محدودة جدا, لأن أي محاولة لعكس عملية التنويع التي اتبعوها ستترتب عليها ضغوط متزايدة على اليورو ومن ثم المزيد من الخسائر، ولسوء الحظ كل ما تستطيع أن تفعله هذه البنوك المركزية الآن هو الانتظار ومتابعة الموقف عن بعد بخيارات محدودة جدا للتعامل مع الواقع الذي وضعت نفسها فيه.

المستفيد الأول من الأحداث بالطبع هو الدولار الأمريكي الذي خفت الضغوط عليه وقفز معدل صرفه بشكل كبير في مقابل اليورو والعملات الدولية الأخرى ليفوق مستوياته القياسية في تموز (يوليو) من العام الماضي، وعاد الحديث مرة أخرى عن الدولار كحصن الأمان الوحيد للعالم، بعد أن كان يوصف بالعملة الرديئة. وما زالت الورقة الخضراء بالفعل، باعتبارها تمثل عملة دولة عظمى موحدة رغم كل ما حدث، تشكل سلة الأمان للعالم، أما اليورو فقد بدأت معاول الشك تنقض على هشاشة وضعه على الرغم من النمو الكبير الذي حققه منذ إطلاقه على حساب الدولار الأمريكي، لأن اليورو مع الأسف يقع تحت رحمة الضغوط المالية للحكومات غير المنضبطة ماليا، وثبت أنه من الممكن أن يكون ضحية للسياسات غير الموائمة التي يمكن أن تتبعها 16 دولة، بعكس الدولار الذي يخضع لسياسات إدارة حكومية واحدة.

بعض المراقبين يرون أن ردة فعل السوق بالنسبة إلى اليورو مبالغ فيها، باعتبار أن ما يحدث في اليونان لا يختلف عن الأوضاع في باقي دول العالم، لكن هؤلاء يتناسون المخاطر الكامنة نتيجة الأوضاع المالية السيئة للدول الأخرى الأعضاء في اليورو. المشكلة الأساسية ليست في مجرد إجراء التعديل اللازم لماليات الدول المضطربة، فبعض الدول الأعضاء في اليورو تواجه مشكلات مرتبطة بالنمو، ومن ثم فإن تعديل الأوضاع المالية هو مجرد بداية لبرامج إصلاح مطلوبة بشدة على المستوى الكلي. باختصار خطة إنقاذ اليونان إذن لن تكون الأخيرة حيث يتوقع أن نجد طابورا من الدول الأوروبية المضطربة ماليا تطالب بالمعاملة نفسها، ولذلك نجد أسواق السندات قلقة من أوضاع إسبانيا وأيرلندا والبرتغال.

وأخيرا: ما الدرس الذي يجب أن نستوعبه هنا في الخليج ونحن مقدمون على اتحاد نقدي ومن ثم عملة خليجية موحدة؟ في رأيي أن الدرس الأساسي هو أن طريق العملة الخليجية الموحدة لن يكون مفروشا بالورود كما يظن البعض، أو كما يروج أنصار العملة الموحدة، وأن الحديث عن المزايا التي يمكن أن تتحقق من العملة الخليجية الموحدة، على الرغم من ضآلتها من وجهة نظري، يجب ألا ينسينا المخاطر الكامنة لاستبدال عملات مستقرة وقوية حاليا مثل الريال السعودي أو الدينار الكويتي بعملة ستتأثر بشكل كبير بالضغوط التي تأتيها من الدول الأعضاء كافة. إن المشكلة الحالية لليورو تثير المخاوف التي طالما نبهت إليها عندما كنت أناقش موضوع العملة الخليجية الموحدة، وحذرت من المخاطر الكامنة لهذه العملة حيث ستكون أكثر تذبذبا من العملات الحالية للدول الأعضاء فيها، نظرا لتأثرها بأي تطورات تحدث على الصعيد الداخلي للدول المشاركة في الاتحاد النقدي، ناهيك عن التطورات الخارجية. التجربة الحالية لليورو تعطي درسا مهما آخر في الاتحاد النقدي، إذ لا يمكن أن يتم انتهاج سياسة نقدية موحدة، بينما تدير كل دولة في الاتحاد أمورها المالية بشكل مستقل، حيث يفترض أن كل دولة من الدول الأعضاء تحافظ على حدود معينة لإنفاقها العام أخذا في الاعتبار إيراداتها العامة.

*نقلا عن صحيفة "الاقتصادية" السعودية.
 
عودة
أعلى