
يوم عصيب آخر مرّ على وول ستريت، طارحاً شكوكاً حول قدرة الأسهم الأميركية على تحقيق المكاسب المنشودة، في وقت يفترض أن يكون من أقوى فترات العام أداءً.
تكمن المشكلة في أسهم التكنولوجيا التي قادت صعود مؤشر "إس آند بي 500" بنسبة 34% منذ تراجعه في أبريل، قبل أن يتوقف زخمها، ما ترك السوق معتمدة على قطاعات أكثر عرضة لتباطؤ الاقتصاد وتراجع حماسة المستهلكين.
تراجع أسهم شركات التكنولوجيا
تراجع مؤشر "إس آند بي 500" بنسبة 0.9% يوم الإثنين، ما رفع خسائره منذ بداية نوفمبر إلى 2.5%. ولم يسجّل المؤشر أي مستوى قياسي منذ 14 جلسة تداول، وهي فترة ليست مقلقة بحد ذاتها، لكنها تُعد الأطول منذ الجلسات الـ88 بين فبراير ويونيو، وفقاً لبيانات جمعتها "بلومبرغ".أما أسهم شركات التكنولوجيا السبعة الكبار، فانخفضت بنحو 5% خلال هذا الشهر، وكانت"ألفابت" الوحيدة التي سجلت مكاسب. علماً أن هذه المجموعة كانت المحرّك الأساسي لكل مكاسب السوق تقريباً منذ بداية العام.
كما بدأ زخم الذكاء الاصطناعي يهتز، مع تنامي مخاوف المستثمرين من أن الاقتراض المكثّف لتمويل توسع هذا القطاع قد يتحوّل إلى عبء ثقيل. "أمازون" مثلاً، لجأت إلى سوق الدين يوم الإثنين، عبر طرح سندات بقيمة 15 مليار دولار.
الوقت يداهم الأسهم
في غضون ذلك، يظهر الاقتصاد الأميركي مؤشرات تباطؤ، خصوصاً في سوق العمل، بينما يواجه المستهلكون من ذوي الدخل المنخفض ضغوطاً متصاعدة. ومع توالي الإشارات الفنية التحذيرية —إذ أغلق مؤشرا "إس آند بي 500" و"ناسداك 100" دون متوسط 50 يوماً— بدأ الاستراتيجيون في وول ستريت يتساءلون عما إذا كانت موجة الصعود الموسمية في نهاية العام لا تزال واردة.وقال آدم تورنكويست، كبير استراتيجيي التحليل الفني في "إل بي إل فاينانشال" (LPL Financial) "الوقت يداهمنا"، مشيراً إلى أن موجات الصعود الموسمية تبدأ عادة مطلع نوفمبر، لا بعد تراجعات منتصف الشهر. ويرى أن "المزيد من الألم في الطريق"، مع انزلاق المؤشرات الرئيسية إلى ما دون مستويات الفنية الرئيسية على الرسم البياني.
يبدو أن ما تبقّى من هذا الأسبوع سيكون حاسماً لتحديد ما إذا كانت السوق قادرة على العودة إلى المستويات القياسية. إذ تستعد شركات استهلاكية كبرى مثل "والمارت"، و"هوم ديبوت"، و"تارغت" للإعلان عن نتائجها وتقديم قراءتها المرتقبة لموسم التسوّق خلال عطلة الأعياد.
في الوقت نفسه، ستكون"إنفيديا" آخر شركات "السبعة الكبار" التي ستقدّم تحديثاً حول أعمالها. كما يُنتظر أن تبدأ البيانات الاقتصادية الحكومية، التي غابت عن الساحة طوال الأسابيع السبعة الماضية، بالصدور تدريجياً.
مع ذلك، يرى بعض المحللين أن مؤشر "إس آند بي 500" قد يكون سجّل بالفعل ذروته لهذا العام.
مؤشرات فنية تدق ناقوس الخطر
أرجع جون روك، مدير التحليل الفني لدى "22 في ريسيرش" (22V Research)، سبب القلق إلى عدد من المؤشرات الفنية "التي تنذر بالخطر"، ومن بينها أن عدد مكونات مؤشر "ناسداك" المركب التي انخفضت إلى أدنى مستويات في 52 أسبوعاً يفوق تلك التي بلغت أعلى مستويات.وأضاف عبر الهاتف: "محال أن تتمكن السوق من الارتفاع مع تفوق عدد أدنى المستويات الجديدة على الذروات الجديدة".
علاوةً على ذلك، يعتبر روك أسهم "ميتا بلاتفورمز"، مالكة "فيسبوك"، بمثابة "مؤشراً على هذا التصحيح"، لأنها بدأت التراجع قبل نظرائها، وقد يجب أن "تسجل أدنى مستوى" قبل انتهاء التراجع الحالي في السوق.
أثارت خطط الشركة للإنفاق على الذكاء الاصطناعي مخاوف المستثمرين القلقين من أن أي أرباح من الاستثمار ستحقق في المستقبل البعيد. تراجعت أسهم "ميتا" مجدداً يوم الإثنين بنسبة 1.2%، وباتت منخفضة 24% عن ذروتها في أغسطس.
المستثمرون يتوجهون لقطاعات أكثر استقراراً
وأشار تورنكويست إلى أنه شهد انتقال المستثمرين، ليس بتخارجهم من شركات التكنولوجيا كبيرة رأس المال فقط، بل أيضاً من شركات التكنولوجيا غير المربحة، و"بتكوين"، وأسهم "الميم"، والشركات ذات المراكز البيعية الضخمة، في ظل "نبرة دفاعية تتطور في السوق".بدأ الانتقال من تلك الحسابات مرتفعة المخاطر إلى القطاعات الأكثر دفاعية في السوق الأسبوع الماضي، وكان قطاع الرعاية الصحية الأفضل أداءً على مؤشر "إس آند بي 500"، والذي وصفه تورنكويست بأنه المستفيد الأكبر من التخارج من القطاعات مرتفعة الزخم.
ولفتت إميلي رولاند ومات ميسكين، المديران المشاركان لاستراتيجيي الاستثمار لدى "مانو لايف جون هانكوك إنفستمنتس"، إلى أن "عامل الزخم الأميركي يقف عند مستوى دعم منذ عدة شهور، ويقترب من اتجاه هبوطي". وحذرا من أن تحركات السوق على مدى الأسبوع الماضي تتشابه مع "تداولات بيع الأصول الأميركية التي حدثت في أبريل".
احتمالات ارتفاع الأسهم لا تزال قائمة
المؤكد أنه يمكن تسجيل 2025 بصفته عاماً استثنائياً للأسهم، حتى من دون الارتفاع المعتاد خلال العطلات.وقال سام ستوفال، كبير استراتيجيي الاستثمار لدى "سي إف آر إيه" (CFRA)، إن الانتقال الحالي، الذي استمر الإثنين مع تفوق أداء أسهم الرعاية الصحية والمرافق، "يجب أن يقلص المبالغة المتراكمة في قطاعات النمو"، وأضاف أن الأسبوعين الماضيين شهدا اضطراباً مع تراجع المؤشرات، أما في الفترة الحالية، "لم يصل بعد إلى مستوى يُعدّ تراجعاً فنياً".
بشكل مشابه، وصفت "ند ديفيز ريسيرش" (Ned Davis Research) موجة البيع في الآونة الأخيرة بأنها "محدودة بما يكفي" لإبقاء احتمالات الارتفاع قائمة، إلا أنها حذرت من أنه "كلما طال التماسك دون استعادة الاتجاه الصعودي، ارتفع خطر التحول إلى عملية تشكيل قمة".